كيف تتخلص من عصبيتك الزائدة

تُعد العصبية من المشاعر النفسية التي يعاني منها كثير من الناس في مختلف مراحل حياتهم، وهي حالة نفسية تتسم بردود فعل عاطفية مفرطة تجاه الضغوطات أو المواقف المختلفة. حين تتجاوز العصبية حدها الطبيعي وتصبح مفرطة أو مزمنة، فإنها تؤثر سلباً على جودة الحياة النفسية والجسدية، وتعيق الأداء اليومي والقدرة على التعامل مع التحديات بفعالية. لذلك، من الضروري فهم آليات السيطرة على العصبية الزائدة والتخلص منها بطرق علمية وعملية تساعد على تهدئة النفس واستعادة الاتزان العاطفي.

مفهوم العصبية وأسبابها

العصبية هي استجابة طبيعية لجسم الإنسان تجاه ما يهدد راحته أو يعكر صفوه. يمكن تعريفها بأنها حالة من التوتر النفسي والجسدي تؤدي إلى استثارة المشاعر السلبية مثل الغضب والقلق والإحباط. تحدث العصبية عندما يشعر الإنسان بعدم السيطرة على الموقف أو الخوف من فقدان شيء مهم. تتعدد أسباب العصبية بين عوامل خارجية وداخلية، منها:

• الضغوط النفسية اليومية سواء في العمل أو الحياة الاجتماعية.

• الصدمات النفسية والتجارب المؤلمة.

• الأمراض المزمنة أو الاضطرابات الهرمونية.

• قلة النوم وعدم انتظامه.

• سوء التغذية ونقص بعض الفيتامينات والمعادن.

• البيئة المحيطة المزعجة أو الصاخبة.

• ضعف مهارات إدارة الوقت والضغوط.

• الصراعات الشخصية والعائلية.

تأثير العصبية الزائدة على الصحة

تتسبب العصبية الزائدة في اضطرابات متعددة قد تؤثر على الجسم والعقل معاً، ومنها:

• ارتفاع ضغط الدم المزمن.

• زيادة معدلات ضربات القلب والإجهاد القلبي.

• اضطرابات الجهاز الهضمي مثل القولون العصبي.

• ضعف الجهاز المناعي، مما يجعل الجسم عرضة للأمراض.

• اضطرابات النوم، مثل الأرق.

• مشاكل في التركيز والذاكرة.

• زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق المزمن.

تُعد هذه التأثيرات مؤشراً واضحاً على أهمية السيطرة على العصبية من خلال استراتيجيات متعددة تهدف إلى تقليل حدتها والتعامل معها بفعالية.

استراتيجيات التخلص من العصبية الزائدة

1. الوعي الذاتي ومراقبة الأفكار

الخطوة الأولى في التخلص من العصبية هي تطوير الوعي الذاتي، إذ يجب أن يكون الفرد مدركاً لمشاعره وأفكاره عندما تبدأ العصبية بالظهور. يمكن تحقيق ذلك من خلال تقنيات مثل:

• كتابة اليوميات لمتابعة الحالات المزاجية.

• مراقبة الأفكار السلبية وتحليلها بموضوعية.

• استخدام تقنيات التنفس العميق والتركيز على الحاضر.

الوعي بالأفكار والمشاعر يساعد على التحكم في ردود الأفعال وعدم الانجراف وراء العصبية.

2. تقنيات التنفس العميق والاسترخاء

التنفس العميق هو أحد أهم الأدوات الفعالة لخفض مستويات التوتر العصبي بسرعة. يتم تطبيقه عبر أخذ شهيق عميق ببطء، وحبس النفس لثوانٍ معدودة، ثم الزفير ببطء، مع التركيز على التنفس وحده. إلى جانب ذلك، تساعد تمارين الاسترخاء العضلي التدريجي أو اليوغا على تهدئة الجهاز العصبي وتعزيز الشعور بالراحة.

3. ممارسة الرياضة بانتظام

ممارسة التمارين الرياضية اليومية تعد وسيلة فعالة للتخلص من العصبية الزائدة. لأن التمارين تحفز إفراز هرمونات السعادة مثل الإندورفين والسيروتونين التي تخفف من التوتر وتحسن المزاج. المشي، الجري، السباحة، وتمارين القوة كلها خيارات ممتازة تساعد على تفريغ الطاقة السلبية.

4. تنظيم النوم وتحسين جودته

النوم الجيد ضروري لتوازن الحالة النفسية. قلة النوم تزيد من العصبية والتوتر، لذا يجب العمل على:

• تحديد مواعيد نوم واستيقاظ ثابتة.

• تجنب الشاشات الإلكترونية قبل النوم بساعة.

• خلق بيئة نوم هادئة ومظلمة.

• الابتعاد عن المنبهات مثل الكافيين قبل النوم.

تحسين جودة النوم ينعكس إيجاباً على القدرة على مواجهة الضغوط دون عصبية مفرطة.

5. التغذية الصحية والمتوازنة

التغذية تلعب دوراً محورياً في ضبط الحالة النفسية. نقص بعض الفيتامينات والمعادن مثل فيتامين د، فيتامين ب، والماغنيسيوم قد يفاقم العصبية والتوتر. لذلك يُنصح بتناول:

• الأطعمة الغنية بالأوميغا 3 مثل الأسماك.

• الخضروات والفواكه الطازجة.

• الحبوب الكاملة.

• التقليل من السكريات والكافيين.

جدول يوضح بعض الأطعمة المفيدة لتقليل العصبية:

6. تنظيم الوقت والمهام

الشعور بالضغط بسبب كثرة المهام وعدم تنظيم الوقت يعد سبباً رئيسياً للعصبية الزائدة. يمكن اتباع أساليب إدارة الوقت مثل:

• تقسيم المهام إلى أجزاء صغيرة.

• استخدام قوائم المهام وترتيبها حسب الأولوية.

• تخصيص فترات راحة منتظمة أثناء العمل.

• عدم تحمل أعباء تفوق القدرة على الإنجاز.

التنظيم الجيد يخفف من الشعور بالعجز ويقلل من العصبية.

7. بناء مهارات التواصل الفعّال

الكثير من حالات العصبية ناتجة عن سوء الفهم أو تراكم المشاعر السلبية. لذا تطوير مهارات التواصل مثل:

• الاستماع الفعال بدون مقاطعة.

• التعبير الهادئ والواضح عن الاحتياجات والمشاعر.

• تفادي الاتهامات والانتقادات المباشرة.

يساعد على تخفيف النزاعات وتقليل التوتر الناتج عنها.

8. اللجوء للدعم الاجتماعي والمهني

المشاركة مع الأصدقاء أو أفراد العائلة أو المختصين النفسيين تساعد في تفريغ المشاعر السلبية والحصول على نصائح عملية. يمكن الانضمام إلى مجموعات الدعم أو اللجوء إلى العلاج النفسي مثل:

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يركز على تغيير الأفكار والسلوكيات السلبية.

• تقنيات التأمل واليقظة الذهنية (Mindfulness).

هذه الوسائل أثبتت فاعليتها في تقليل العصبية والقلق المزمن.

9. الابتعاد عن مصادر التوتر والضغط

تتطلب عملية التخلص من العصبية أحياناً تغيير أو تقليل التعرض لمصادر التوتر مثل:

• تجنب المواقف أو الأشخاص الذين يثيرون العصبية بشكل مستمر.

• ضبط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات السلبية.

• إعادة تقييم الالتزامات الشخصية والمهنية وإزالة غير الضروري منها.

هذا لا يعني الهروب، بل الإدارة الحكيمة للمواقف التي تثير العصبية.

10. تبني هوايات وأنشطة مساعدة على الاسترخاء

ممارسة الهوايات التي تُشعر بالمتعة والاسترخاء تساهم في تخفيف العصبية. كالرسم، القراءة، الاستماع للموسيقى الهادئة، أو القيام بالأنشطة الطبيعية كالزراعة أو التنزه في الطبيعة. هذه الأنشطة تساعد على تحويل التركيز بعيداً عن الأفكار السلبية وإعطاء النفس فرصة للتجدد.

خلاصة القول

التخلص من العصبية الزائدة هو عملية مستمرة تتطلب مزيجاً من الوعي الذاتي، تبني عادات صحية، وتطوير مهارات التعامل مع النفس والآخرين. السيطرة على العصبية لا تعني القمع، بل تنظيم المشاعر بطريقة تسمح بالردود الهادئة والمنطقية التي تعزز جودة الحياة. اتباع الخطوات العملية العلمية المذكورة أعلاه يساعد على استعادة التوازن النفسي والبدني، وتقليل الآثار السلبية للعصبية على الصحة العامة.

مع الوقت والمثابرة، تصبح القدرة على إدارة العصبية مهارة مكتسبة تُحدث فرقاً جوهرياً في الحياة الشخصية والمهنية.

المصادر والمراجع

1. Mayo Clinic Staff. (2022). Stress management. Mayo Clinic.

2. American Psychological Association. (2023). Managing stress for a healthy family. APA.